إن تدبر القرآن الكريم هو أمر واجب على كل من يحمل عقلا يفكر به حسب ما يسمح به ظرفه وما يتيسر له من وقت فالقرآن ليس حكراً على أحد وهو كتاب أنزله الله لكل البشر وليس لفئة محددة من العلماء والمختصين; لذلك أدعو جميع إخوتي وأخواتي من القراء أن يعطوا شيئاً من وقتهم لتأمل آيات القرآن وأن يقدموا شيئاً لهذا القرآن أقل ما يمكن أن نتدبر القرآن عسى الله أن يرحمنا و أن يجعله شفيعا لنا يوم القيامة يوم يفر المرء من أقرب الناس إليه; فكل من لا يتدبر القرآن الكريم قلبه مقفل لا يدخله نور الإيمان ولو كان يظن نفسه أنه مؤمن ومن لم يصدق هذا الكلام ليقرأ قوله تبارك وتعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) [محمد: 24] ;هذه وجهة نظر نقدمها للقراء للمناقشة وإبداء آرائهم ونحب من قرائنا أن يتفاعلوا معنا في مثل هذه المواضيع بهدف زيادة الإيمان ولكل من لديه علم ألا يبخل علينا به بشرط أن يكون منطقيا و موافق للقرآن ولا يجب علينا نحن كمسلمين أن نجلس و ننتظر من اليهود و النصارى أن يكشفوا لنا الحقائق والمعلومات وخصوصا نحن لدينا القرآن الذي تكفل الله تعالى بحفظه . ...................................................................................................................
!!حقيقة نزول عيسى عليه السلام
إن خلق عيسى عليه السلام هو معجزة كبرى نظرا لمجيئه إلى الدنيا من أم بدون أب وعلى غير ما اعتاد عليه الناس وذلك لتبيان طلاقة قدرة الخالق الذي يقول للشيء كن فيكون و خلق الله سبحانه تعالى عيسى عليه السلام كما خلق آدم من تراب ونفخ فيه من روحه وكان عيسى عليه السلام مليئا بالروح وكانت فيه نفسا لاتعرف الخطيئة فكان لابد أن يكون له جسدا مختلفا و مماثلا للجسد الأول (آدم) الذي لم يأتي عبر تلقيح أعضاء بين الذكر و الأنثى فكان لابد من هذه المعجزة وذلك لكسر الإعتقاد المادي وإحداث هزة في نفوس البشر حتى يعلموا أن الله على كل شيء قدير
وقد صاحبت ولادة عيسى عليه السلام معجزات متتالية فتكلم وهو في المهد وكان يبرئ الأكمه والأبرص بالمسح وكان يحيي الموتى بإذن الله وكان ينفخ في الطائر من طين بالروح فيصبح طائرا حيا بإذن الله تعالى فلما كذب به الكفار و حاولوا قتله رفعه الله تعالى إليه وذلك لأن عيسى كنفس مليئة بالروح لا تستطيع أن تستقر في جسد فرفعه الله إليه ويطهره من الذين كفروا به غيرأن بعض المفكرون والمسلمون لم يفهموا حقيقة رفعه وربطوا هذا الرفع بموته غير أن الحقيقة غير ذلك فعيسى عليه السلام لم يمت ولكن عدم تمكنهم من فهم الفرق بين الموت والوفاة دفغ بهم ليعتقدوا أن عيسى مات وفارقت روحه جسده وهذا خطأ كبير وقد كانت هذه هي أمنية الذين كفروا به وأنا لا أفهم كيف توافقت فكرة بعض المسلمين بموته مع أمنية الذين كفروا به ؟ فرد الله عليهم في قوله تعالى (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ) فهم قطعاً لم يقتلوا عيسى بل إنهم في الأصل عندما قتلوا رجلاً وعلقوه على الصليب لم يكونوا متيقنين من أنه عيسى بل داخلهم الشك في هويته ، والقتل هو الموت بفعل خارجي وعندما ينفي الله الموت عن عبده ونبيه عيسى فيبنغي أن تكون الوفاة أمرٌ غير الموت.
وبذلك يكون الذين قالوا أن المسيح عليه السلام ميت بخروج روحه من جسده ونفوا أنه سينزل في آخر الزمان وافقوا رأي اليهود و النصارى رغم أن الله تعالى نفى موته بالقتل وأكد الله تعالى أنه توفاه والوفاة كمارأينا في الموضوع السابق (خروج النفس دون الروح من الجسد) وبذلك عندما صعدت نفس سيدنا عيسى عليه السلام بقيت روحه وجسده في الارض ولذلك رفعه الله تعالى إليه حتى لا تبقى روحه وجسده في الارض ولذلك جاءت كلمة (رافعك) في محلها بعد أن قال له الله تعالى (متوفيك) فالرفعة جاءت لحفظ جسد وروح سيدنا عيسى عليه السلام من يد الكفار لأن الله سبحانه و تعالى علم بنيتهم أنهم سيصلبون المسيح عليه السلام إذا بقي جسده في الارض بعد أن توفاه الله تعالى .
والامر الذي جعل بعض العلماء و المفكرون الاسلاميون ينكرون نزول المسيح عليه السلام هو ختم الرسالة بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومن خلال الأحاديث يتبين لنا أن سيدنا عيسى عليه السلام سينزل كمصحح للعقيدة الفاسدة لأهل الكتاب وليس كرسول أو نبي وإنما تابع لرسالة الاسلام ولذلك هو الرسول الوحيد الذي علمه الله تعالى جميع الكتب السماوية من التوراة و الانجيل و الكتاب أي القرآن الكريم ولإقامة الحجة على اليهود و النصارى و اظهار الحق وليس كرسول أو نبي كما ظن البعض إن عيسى عليه الصلاة والسلام إذا نزل في آخر الزمان لا يأتي بشرع جديد ولا يحكم بالإنجيل ، إنما يحكم بكتاب الله تعالى وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، ويكون واحدا من هذه الأمة ، وقد روى الإمام أحمد والبخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف بكم إذا نزل عيسى ابن مريم فيكم وإمامكم منكم ؟ )وفي رواية لمسلم : ( كيف أنتم إذا نزل فيكم ابن مريم فأمكم منكم ؟)
ثم أنه يخبرنا بأن أهل الكتاب سيؤمنون بعيسى (قبل موته) ثم أنه يكون شهيداً على أهل الكتاب يوم القيامة ، مما يثبت وفاته ولكن لا يثبت موته بل يثبت أنه لم يمت لأن علامة موته أن يسبق ذلك الموت إيمان أهل الكتاب به كنبي مرسل من عند الله فيؤمن اليهود به مسيحاً والنصارى يؤمنون به نبياً. والمعنى: أن عيسى عليه السلام آية من آيات الساعة ، وما من أحد من أهل الكتاب النصارى واليهود إلا سيؤمن بعيسى عليه السلام عندما ينزله الله إلى الدنيا ويرونه ويرون آياته فالحكمة من رفعه إلى السماء أن الله تعالى ادَّخره لدور عظيم في مرحلة حساسة من التاريخ ، يكون أتباعه وعُبَّاده فيها أكبر قوة في العالم ، وأكبر عائق أمام وصول نور الهدى الى الشعوب ، وإقامة العدل الإلهي وستكون أول ثمرات نزوله عليه السلام تخفيف عداء اليهود و النصارى للإسلام وقال تعالى: إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ . وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ. (آل عمران:45-46) ومعنى: وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ: ما حدث عند ولادته عليه السلام . وَكَهْلاً: عندما ينزل من السماء ، لأنه كما قيل رُفع وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة أي قبل الكهولة ، هذا يدل على أنه مازال حيا و سينزل في آخر الزمان و سيكلم الناس وهو كهل أو شيخ كبير ولذلك قال الله تعالى [ وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ] و الله تعالى أعلم
يجيء عيسى ابن مريم عليهما السلام مصدقا بمحمد صلى الله عليه وسلم وعلى ملته ، ويكون في هذه الأمة حكما عدلا وإماما مقسطا . إذن سينزل في آخر الزمان لإظهار الحق وليعلم أهل الكتاب أنهم كانوا كاذبين و يوم القيامة يكون عليهم شهيدا ويقتل المسيح الدجال الذي اختلف فيه البعض وأنكره البعض الآخر لاستحالة ظهوره واعتبارهم المسيح الدجال خرافة وأكذوبة لا يقبلها العقل وسنتناول هذا الموضوع في المقال القادم باذن الله
وبهذا نكون قد قمنا في هذا البحث بتبيان الرفع و نزول لعيسى عليه السلام فنحمد الله تعالى حمدا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه. .